الحمد لله الذي أوجب العدل في كل الأحوال ، وحرم الظلم في الدماء والأعراض
والحقوق والأموال ، وأشهد أن لا إله إلا كامل الأوصاف وواسـع النوال ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فاق جميع العالمين في العدل والفضل
والإفضال ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل .
أما بعـد :
أيها الناس ، اتقوا الله تعالى واعلموا أن مدار التقوى على القيام بالعدل
في حقوق الله وحقوق العباد ، فإن التوحيد غاية العدل والشرك أعظم الظلم
وأشنع الفساد ، إذا كان الله هو الذي خلقك ورزقك وعافاك وأعطاك فمن العدل
الواجب أن يكون معبودك ، وإليه ترجع في رغباك ورهباك ، فمن أظلم ممن سوى
المخلوق الناقص الفقير بالرب الغني الكامل القدير . [إذا سألت فاسأل الله
، وإذا استعنت فاستعن بالله ،] قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} الآية . قد أمر الله
ورسوله بالعدل بين الناس في جميع الحقوق ، ونهى عن الظلم والجور والفسوق .
بالعدل تعمر الأسباب الدينية والدنيوية ، ويتم التعاون على المصالـح
الكلية والجزئية ، والعدل واجب في الولايات كلها والمعاملات ، وهو أن تؤدي
ما عليك كاملا كـما تطلبه تاما من كل الجهات . فمتى عدل الرعاة والمعاملون
في المعاملات صلحت الأمور واتسعت دائرة الأسباب والتجارات ، ومتى رفع من
المعاملة روح العدل والأمانة وحل محله البخس والغش والتطفيف والخيانة ،
فمنع الإنسان ما عليه واستوفى ماله . {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ
إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ
وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } ويل لهم مما يترتب على البخس والتطفيف من العقوبات ،
وما يرفـع بذلك من الخيرات والبركات ، وما يتوقف بسببه كثير من المعاملات
النافعات ، كل معاملة فقدت العدل فهي معاملة ضارة ، قال تعالى : {وَلَا
تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ} وقال صلى الله عليه وسلم : [ليس منا من غشنا ] . فالغش
والمعاملات الجائرة ليست من الدين ، وصاحبها متعرض لعقوبة رب العالمين .
والعدل يكون في الحقوق الزوجية ، فعلى كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر
بالمعروف ، فمتى قام كل منهما بما عليه التأمت الزوجية ، وتم لهما حياة
سعيدة طيبة ، وحصلت الراحة وحلت البركة ، ونشأت العائلة نشأة حميدة ، ومتى
لم يقم كل منهما بالحق الذي ، عليه ، تكدرت الحياة ، وتنغصت اللذات ، وطال
الخصام وتعذر الوئام ، قال صلى الله عليه وسلم : [كلكم راع وكلكم مسئول عن
رعيته . فالإمام راع على الناس ومسئول عن رعيته . والرجل راع على أهل بيته
وهو مسئول عن رعيته . والمرأة راعية على بيت زوجها هي مسئولة عن رعيتها ،
والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسئول عن
رعيته] فذكر صلى الله عليه وسلم الولايات كلها كبارها وصغارها ، وأخبر أن
من تولى ولاية فهو مسئول عنها ، وهل عدل فيها وسلك المأمور به فله الثواب
، أو ظلم فيها وجار فعليه العقاب . العدل تقوم به الولايات ، وتصلح به
الأفـراد والجـماعات ، وتمشي به الأحوال في كل الأوقات . سلك الله بنا
وبكم سبيل العدل والإنصاف ، وأعاذنا وإياكم من الجور والأعتساف ، وبارك لي
ولكم في القرآن العظيم .